إحياء دجلة والفرات... كيف أقنعت بغداد أنقرة بزيادة الوارد المائي؟

سبوتنيك عربي

إحياء دجلة والفرات... كيف أقنعت بغداد أنقرة بزيادة الوارد المائي؟

  • منذ 4 أسبوع
  • العراق في العالم
حجم الخط:
جاء هذا التقدم نتيجة تحركات سياسية وتنسيق عالي المستوى، وسط تحديات إقليمية معقدة، وواقع مائي هش فرضته سنوات من الجفاف والسياسات المائية غير المتوازنة.
وبينما تشكل هذه الخطوة بارقة أمل في ملف طالما كان مصدر توتر داخلي وخارجي، تواصل الحكومة تحريك أدواتها الفنية والدبلوماسية لتأمين مستقبل مائي أكثر استقرارا للبلاد.
قبل أيام قليلة، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أن "تركيا وسوريا وافقتا على زيادة الإطلاقات المائية المخصصة للعراق، في خطوة تهدف إلى التخفيف من أزمة الشح المائي التي تواجه البلاد"، موضحًا أن "الحكومة شرعت في تنفيذ إجراءات للتصدي لأزمة المياه، بدأت بالتحرك دبلوماسيا تجاه دول الجوار، ولا سيما تركيا، من خلال اتصالات مكثفة خلال الفترة الماضية".
وبيّن السوداني أن "الحكومة التركية، عبر الرئيس رجب طيب أردوغان، وافقت على إطلاق نحو 320 مترا مكعبا في الثانية من المياه باتجاه سد الموصل، فيما ستقوم سوريا بإطلاق نحو 350 مترا مكعبا في الثانية عبر الحدود المشتركة".
في المقابل، أعلن رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، الأسبوع الماضي، خلال زيارته الرسمية إلى تركيا على رأس وفد نيابي وسياسي، أن "الرئيس التركي وافق على إطلاق كميات إضافية من المياه إلى العراق، بواقع 420 مترا مكعبا في الثانية".
الأجهزة الأمنية العراقية المختصة بمكافحة المتفجرات، مع خبراء فرنسيين، ينفذون عملية نوعية لتطهير نهر الفرات بمركز محافظة الأنبار غربي العراق،  30 سبتمبر/ أيلول 2020  - سبوتنيك عربي, 1920, 02.07.2025
رئيس الوزراء العراقي: تركيا وافقت على زيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات

الإطلاقات التركية لا تفي باحتياجات العراق المائية

يقول الخبير المائي في جامعة الكرخ للعلوم، أحمد سرداح، في حديث لوكالة "سبوتنيك": "الاتفاقية الإطارية التي وقعها العراق مع تركيا في العام الماضي، لم تتضمن تحديدا دقيقا أو واضحا لحصة العراق من المياه، سواء بالأرقام أو الكميات التي تلتزم تركيا بإطلاقها".
ويضيف سرداح: "الاتفاقية ركزت على التعاون في تنفيذ مشاريع مشتركة داخل العراق مقابل زيادة الإطلاقات المائية من الجانب التركي، لكنها لم تنص على حصة مائية محددة وملزمة، ما يبقي الملف مفتوحا أمام التقديرات والتفاهمات المؤقتة".
ويشير إلى أن "الأيام الماضية شهدت تراجعا كبيرا في منسوب بحيرة سد الموصل نتيجة الإطلاقات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة العراقية لدفع المياه باتجاه محافظة البصرة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الطلب على المياه"، مبينا أن "الإطلاقات التركية وصلت قبل خمسة أيام إلى نحو 60 مترا مكعبا في الثانية، وهو ما يعرف بالجريان الطبيعي للمحافظة على الحد الأدنى من الاستدامة، لكنه غير كاف لتلبية الاحتياجات"، وتابع: "بناء على ذلك، تم التواصل مع الجانب التركي لزيادة الإطلاقات، حيث ارتفعت مؤخرا إلى 120 مترا مكعبا في الثانية، ومن المقرر أن تصل إلى 320 مترا مكعبا خلال الأيام المقبلة في نهر دجلة، و350 مترا مكعبا في نهر الفرات".
نهر دجلة - سبوتنيك عربي, 1920, 16.06.2025
دجلة والفرات يحتضران... والتصحر يبتلع 100 ألف دونم سنويا في العراق
وشدد سرداح على أن "هذه الكميات لا تزال غير كافية، خصوصا في فصل الصيف الذي يشهد ذروة الطلب على المياه، والعراق بحاجة إلى كميات أكبر لضمان الأمن المائي".
وأكد أن "الحكومات العراقية السابقة لم تتعامل بجدية مع ملف المياه، ولم تدار المفاوضات مع تركيا بالشكل الذي يضمن حقوق العراق المائية"، مشيرا إلى أن "جميع اللقاءات السابقة مع الجانب التركي لم تسفر عن اتفاق رسمي يحدد حصة العراق المائية بشكل واضح وموثق".
نهر دجلة - سبوتنيك عربي, 1920, 09.06.2025
العراق: نواجه تحديا كبيرا بانحسار المياه في نهري دجلة والفرات بسبب التغير المناخي
بدوره، يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، خالد شمال: "مخزون المياه في العراق بلغ أدنى مستوياته في تاريخ البلاد، وينصب الاعتماد حاليا على إطلاقات محدودة من سد الموصل (320 م³/ث)، وسد حديثة، إلى جانب ضخ من بحيرة الثرثار (41 م³/ث)"، ويوضح أن "الوزارة تعمل على إدارة النقص عبر توزيع المياه على مشاريع ري استراتيجية، تشمل سد دوكان لري كركوك، ودربندخان لدعم نهر ديالى، مع كميات قليلة من نهر الزاب الكبير".
كما يشير شمال إلى أن "دول الجوار تمر بأزمات مائية مماثلة، فالجفاف في سوريا أثر على واردات نهر الفرات، التي تبلغ حاليا نحو 300 م³/ث، وقد تنخفض أكثر بسبب تراجع خزين سد الطبقة، أما بالنسبة للإطلاقات من تركيا نحو نهر دجلة، فهي تتراوح بين 140 و200 م³/ث، مع توقعات بارتفاعها إلى 300 م³/ث بعد تشغيل محطة الطاقة في سد أليسو منتصف حزيران/ يونيو الماضي".
مسلحو أمريكا يمنعون المرضى والطلاب من الوصول لمناطق الجيش السوري عبر الفرات - سبوتنيك عربي, 1920, 29.05.2025
الأمن المائي والغذائي في خطر... برلمانية عراقية تحذر من جفاف دجلة والفرات

شح المياه يتفاقم في البصرة

يرى الناشط المدني، فلاح البرزنجـي، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن "محافظة البصرة ما تزال تعاني من شح حاد في المياه الصالحة للاستخدام، نتيجة انخفاض الإطلاقات المائية الواصلة إليها، ما يؤثر بشكل مباشر على سكان المدينة وواقعهم المعيشي والصحي".
ويوضح البرزنجـي أن "تراجع حصة المياه الواصلة إلى المحافظات الجنوبية، ومنها البصرة، ناجم عن قلة الإطلاقات المائية من المصادر الرئيسة"، مشيرا إلى أن "هذا التراجع يؤدي إلى تفاقم أزمة ملوحة المياه التي تعاني منها المحافظة منذ سنوات".
ولفت البرزنجـي إلى "قيام إيران بإطلاق كميات من المياه عبر نهر الكارون لري المناطق المحاذية"، معتبرا أن "هذه الخطوة إيجابية وتدل على إمكانية التعاون الإقليمي في هذا الملف الحساس".
رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يعلن عن المبادرة الإقليمية لحماية نهري دجلة والفرات - سبوتنيك عربي, 1920, 24.05.2025
العراق يعلن عن مبادرة بيئية غير مسبوقة لحماية نهري دجلة والفرات
وأكد ضرورة أن "تتخذ الحكومة العراقية والمحافظات المعنية، ضمن صلاحياتها، إجراءات عاجلة لرفع التجاوزات الحاصلة على مجرى المياه، بهدف تأمين وصول الكميات المقررة إلى البصرة"، موضحًا أن "كل الجهات مطالبة بأن تتحمل مسؤولياتها لحماية البصرة من أزمة العطش وارتفاع نسب الملوحة".
ويستذكر البرزنجـي تجربة سابقة خلال حكومة عادل عبد المهدي، حيث تم "تنفيذ مشروع قناة لنقل المياه من محافظة ذي قار إلى البصرة، وشهدت تلك المرحلة إزالة عدد كبير من التجاوزات على مجرى القناة لضمان إيصال المياه النقية إلى المحافظة، في خطوة وصفها بـ "الناجحة التي يجب البناء عليها". ودعا إلى "تكرار تلك الإجراءات وتوسيعها، فإنقاذ البصرة من أزمة المياه يتطلب تنسيقا حكوميا حقيقيا وإرادة سياسية واضحة".
سد تشرين في ريف حلب السورية - سبوتنيك عربي, 1920, 25.01.2025
بعد إصلاح سوريا لسد "تشرين".. العراق: إيرادات دجلة والفرات مستقرة وهناك تحسن في التعاون الإقليمي

توظيف قوة العراق الاقتصادية لضمان حقوقه المائية

إلى ذلك، يقول المحلل السياسي علاء خضير لـ "سبوتنيك": "لا تؤثر أزمة المياه فقط على الواقع البيئي، وإنما تمتد إلى الزراعة والاقتصاد الوطني برمته"، معتبرا أن "العراق يمتلك من الإمكانيات الاقتصادية ما يتيح له لعب دور محوري في إدارة ملف المياه بشكل أكثر فاعلية".
ويضيف خضير: "العراق، بصفته رابع أكبر دولة في العالم من حيث إنتاج النفط، لديه أوراق قوة اقتصادية يمكن توظيفها في إطار العلاقات الإقليمية، خصوصاً مع تركيا، لضمان تدفق كميات كافية من المياه عبر نهري دجلة والفرات".
ويشير إلى أن" الزيارات الرسمية الأخيرة إلى تركيا وعقد اتفاقيات تجارية واستثمارية معها، والتي تجاوزت قيمتها 20 مليار دولار، تمثل فرصة استراتيجية لتعزيز التفاهمات بشأن تأمين حصة مائية عادلة وثابتة للعراق، ضمن إطار من التبادل والمصالح المشتركة".
نهر دجلة - سبوتنيك عربي, 1920, 26.05.2025
اتفاق عراقي بريطاني لتحلية المياه وتحويل "مياه المبازل" إلى مصادر صالحة للزراعة
ويتابع خضير: "من خلال هذه التبادلات الاقتصادية الضخمة، يمكن للعراق أن يضغط باتجاه تأمين احتياجاته المائية، خاصة أن المياه أصبحت اليوم أحد مفاصل الأمن القومي، وتؤثر على كل مفاصل الحياة، من الزراعة إلى الصناعة وحتى الاستقرار الاجتماعي".
ووفقا لخضير، فإن "استخدام ورقة الاقتصاد بشكل مدروس يمكن أن يكون مدخلا لحل أزمات كبرى يعاني منها العراق، وعلى رأسها شح المياه"، مؤكدا أن "هذا المسار سيدعم كذلك جهود الإعمار والاستثمار والتنمية المستدامة".
واختتم: "إذا ما تم استثمار موقع العراق الاقتصادي بشكل صحيح، فبإمكانه تجاوز معظم التحديات التي يواجهها، بما فيها أزمة المياه، وذلك عبر أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية الاقتصادية".
نهر الفرات، العراق - سبوتنيك عربي, 1920, 24.05.2025
العراق يتفق مع تركيا على إطلاق 500 متر مكعب في الثانية يوميا من مياه الفرات
وفي عام 2023، كان شهد سد الموصل – أكبر السدود في العراق – تراجعا غير مسبوق في مستويات التخزين، مسجلا أدنى رقم له منذ افتتاحه عام 1986، بعد أن كانت سعته التصميمية تصل إلى 11 مليار متر مكعب. حيث أن المراقبين، اعتبروا في وقتها استمرار هذا الانخفاض ينذر بجفاف محتمل لبحيرة الموصل المجاورة خلال سنوات قليلة، ما يهدد نحو 1.7 مليون نسمة من سكان المناطق القريبة بفقدان مصدرهم الرئيسي للكهرباء ومياه الري.
ولم يختلف الوضع كثيرا في سد دوكان، حيث تراجع منسوب المياه من 7 مليارات إلى 3 مليارات متر مكعب فقط، وهو ما يضع أكثر من 3 ملايين شخص في دائرة الخطر، كونهم يعتمدون على هذا السد في تلبية احتياجاتهم اليومية من المياه العذبة. أما سد دربندخان المجاور، فقد انخفض منسوب المياه فيه بمقدار سبعة أمتار، ما أدى إلى تراجع قدرته التشغيلية إلى الثلث تقريباً، ليعكس صورة قاتمة عن مستقبل الأمن المائي في البلاد.


عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>