انتهت الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وجبهة العدو (بقيادة الولايات المتحدة والمواجهة بالوكالة من قبل إسرائيل بدعم من عدة دول أوروبية) بطلب وقف إطلاق النار من قبل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وانتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في هذا السياق، فإن اعترافات وسائل الإعلام الغربية، وخاصة الأمريكية، حول أبعاد هذه الحرب ونتائجها وتداعياتها، تستحق التأمل والدراسة.
ووفقاً للتقارير المنشورة، فقد بدأت الحرب بضوء أخضر من الولايات المتحدة وهجوم إسرائيلي على مواقع إيرانية. وكتبت شبكة "سي إن إن" في هذا الصدد: "الهجوم الإسرائيلي الأولي على عدة مراكز نووية وقواعد عسكرية في الأراضي الإيرانية أحدث الصدمة الأولى، لكن ما أدهش المراقبين الغربيين أكثر كان حجم وسرعة وتنظيم الرد الإيراني."
أقرّت وسائل الإعلام الغربية، بما فيها الأمريكية، بالإجماع بأن إيران، وعلى عكس المرات السابقة، ردت فوراً وبقوة دون أي تحفظ تكتيكي. لم تستهدف فقط المنشآت العسكرية الإسرائيلية، بل أيضاً قواعد أمريكية في قطر، حيث تعرضت لهجوم مباشر، بينما انهمرت موجة من الهجمات السيبرانية والصواريخ والمسيرات المتتالية على مناطق ومراكز حساسة في الأراضي المحتلة. كان هذا أول اعتراف إعلامي غربي بأنّ الردع الصهيوني في الميدان انهار عملياً، وانتقلت المبادرة إلى إيران.
انهيار أسطورة "القبة الحديدية" وسقوط الجدار الأمني الإسرائيلي
من بين المحاور الرئيسية للاعترافات، كانت الإشارة الصريحة والمتكررة إلى عدم فعالية أنظمة الدفاع الإسرائيلية. وكتبت "نيويورك تايمز" في هذا الصدد: "واجهت الهجمات الصاروخية الإيرانية، التي استخدمت مزيجاً من الصواريخ الباليستية والكروز وحجمًا غير مسبوق من المسيرات الانتحارية، دفاعات إسرائيل – وخاصة "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود" – بتحدٍ خطير. ورغم أن المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا عن نجاح نسبي في صد بعض الهجمات، إلا أنهم اعترفوا بانقطاع التيار الكهربائي في تل أبيب وحيفا، واصابة عشرات الأهداف الحيوية."
وحذر المحللون الأمريكيون لاحقاً من أن أمن الكيان الصهيوني لم يعد مضموناً كما في السابق، وهذه الحقيقة ستخل بالتوازن النفسي في الأراضي المحتلة. وكتبت "سي إن إن" في هذا السياق: "صُممت "القبة الحديدية" لأوقات ومواقف ذات حجم هجمات منخفض، وليس لحرب شاملة مع دولة تمتلك ترسانة صاروخية مثل إيران."
الدهشة من حجم وتنسيق الهجمات الإيرانية
النقطة الأخرى التي لفتت انتباه وسائل الإعلام الغربية كانت تتعلق بمستويات التنسيق واتساع الهجمات الانتقامية الإيرانية. وأكد العديد من الخبراء الغربيين أن طهران عمدت إلى استخدام هجمة هجينة (أسلحة ذكية وهجمات سيبرانية) لاستهداف ليس فقط أنظمة الدفاع، بل أيضاً الشبكات الاتصالية والاقتصادية الإسرائيلية.
وكتبت "واشنطن بوست" في هذا الصدد: "لم تكن هذه الهجمات عسكرية فحسب؛ بل تعطلت الاتصالات الخلوية والإنترنت في معظم المناطق المركزية في إسرائيل لساعات طويلة. في الوقت نفسه، تسببت الهجمات الدقيقة على منشآت البنية التحتية مثل مصفاة حيفا وأنظمة المياه والكهرباء في قلق كبير للسكان (في الأراضي المحتلة)."
في الوقت نفسه، أكد محلل "فورين بوليسي": "ربما كان أهم إنجاز لإيران هو عدم حصر نفسها في الرد العسكري، واستغلال كافة إمكانيات الحرب الهجينة؛ وهي حقيقة – وفقاً لمسؤولين غربيين – قلبت موازين القوى."
من اللافت أنه رغم الرقابة المشددة التي فرضها الكيان الصهيوني، فقد انعكس حجم الخسائر البشرية وتدمير البنية التحتية الإسرائيلية في وسائل الإعلام الغربية بشكل غير مسبوق.
وكتبت "واشنطن بوست" بهذا الخصوص: "في تل أبيب، يعيش الناس حالة غير مسبوقة من القلق والغضب. حكومة نتنياهو تواجه ضغوطاً داخلية غير مسبوقة، لدرجة أن يائير لابيد – زعيم المعارضة في إسرائيل – لم يعتبر التهديد الرئيسي قادماً من الأعداء الخارجيين، بل من عدم الاستقرار والانقسام والمشاكل الداخلية."
شكوك أمريكية جدية حول تكاليف الحرب
نقطة أخرى هي أن جزءاً كبيراً من تحليلات وسائل الإعلام الأمريكية ركز على حقيقة أن واشنطن لم تكن راغبة فعلياً في تصعيد الأزمة والدخول في حرب شاملة مع إيران؛ حتى عندما طرح ترامب صراحةً شعار الهجوم مرة أخرى على المنشآت النووية الإيرانية. في الواقع، حجم الخسائر وتهديد أمن الطاقة وارتفاع أسعار النفط سبّب تردداً كبيراً لدى صانعي السياسة الأمريكية.
وكتبت "فورين بوليسي" في هذا الصدد: "أخذ ترامب ومستشارو الأمن القومي، رغم رغبة بعض الأوساط المحبة للحرب، توصية قادة "القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)" على محمل الجد: الدخول في حرب إقليمية مع إيران يعني قبول الهزيمة الاستراتيجية في غرب آسيا."
كما أظهرت الأخبار الجانبية أنه، خلافاً للتغطية الرسمية، امتنعت الولايات المتحدة عن الدخول بشكل أوسع في الأزمة خوفاً من زيادة خسائرها العسكرية.
فشل الاستراتيجية العسكرية ضد إيران
بعد وقف إطلاق النار ووضوح فشل الاستراتيجية العسكرية، سارعت الولايات المتحدة إلى استبدال الحرب العسكرية باستراتيجية الضغط الاقتصادي الأقصى وعقوبات جديدة. في هذا السياق، أوضحت تحليلات "سي إن إن" و"الجزيرة" بوضوح أن هذا الإجراء كان اعترافاً ضمنياً بعدم فعالية الأدوات العسكرية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
واعترف وزير الخزانة الأمريكية بناءً على ذلك: "الهدف واضح من هذا البرنامج هو إضعاف مصادر دخل طهران وتعطيل نهضتها الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب."
كما أُضيفت إلى قائمة العقوبات، بالإضافة إلى إيران، شركات ووسطاء نفط مرتبطين بالعراق والإمارات، وذلك للحد من تصدير النفط الإيراني عبر طرق غير مباشرة.
مواجهة الأخبار والصور غير المسبوقة عن الحرب والخسائر الفادحة جعلت جزءاً كبيراً من المجتمع الأمريكي والأوروبي يدرك حقيقة التوازن الجديد للقوة في منطقة غرب آسيا.
ووفقاً لتقارير "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز"، زادت الانتقادات لسياسات الحرب في الوقت نفسه، حتى أن جزءاً من ناخبي ترامب طالبوا بإنهاء المغامرات العسكرية الغربية في غرب آسيا.
في النهاية، أصرت معظم وسائل الإعلام الأمريكية على أن الظروف الجيوسياسية في المنطقة قد تغيرت بشكل لا رجعة فيه بعد هذه الأزمة – حتى لو كان ذلك بشكل مؤقت. العالم الآن مجبر على تقبل دور مختلف لإيران في المنطقة، ولم يعد الكيان الصهيوني يمتلك اليد العليا أمنياً وعسكرياً.
بشكل عام، اعتبرت الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وجبهة العدو بقيادة الولايات المتحدة، من وجهة نظر وسائل الإعلام الأمريكية، نقطة تحول في تاريخ المنطقة وحتى في هيكل المقولات الأمنية الغربية. الاعتراف بضعف دفاعات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والدهشة من التنسيق وحجم الهجمات الإيرانية، والخسائر البشرية والاقتصادية غير المسبوقة، وقبول هيكل الردع الجديد في المنطقة، كلها جزء من سلسلة الاعترافات التي سيطرت على الساحة الإعلامية الغربية في الأسابيع التي تلت انتهاء الحرب.
الغرب، حتى على مستوى أعلى المؤسسات التحليلية، اضطر إلى الوصول إلى نتيجة مفادها أن القرن الجديد في الشرق الأوسط لن يحقق أي اتفاق أو استقرار دون أخذ وزن وقوة إيران في الاعتبار، وأن أدوات العقوبات والضغط لا يمكن أن تحل محل حقائق الميدان الجديدة.
/انتهى/