غزة / محمد ماجد / الأناضول
لم يعد حي الشجاعية شرقي مدينة غزة كما كان، فغابت صرخات الحياة عنه، وصمتت جدرانه القديمة التي لطالما شهدت صخب المارة وأصوات الباعة، وتحولت الأزقة التي كانت تحفظها الأقدام عن ظهر قلب إلى كتل ترابية مشوهة، لا اسم لها ولا ملامح.
في هذا الحي، أحد أكبر وأعرق أحياء غزة، لم تبق آلة الحرب الإسرائيلية شيئا على حاله فصواريخها وقنابلها دمرته في إطار الإبادة التي ترتكبها بالقطاع.
** غارات لا تتوقف
ورغم تراجع الآليات الإسرائيلية إلى شرق الحي، لم تغب الطائرات المسيرة عن سمائه، كما لم تهدأ أصوات الغارات التي تتجدد على مناطق متفرقة، كأنها تعمد إكمال ما تبقى من الخراب.
للحي عادت بعض العائلات، مدفوعة بالأمل أو ربما الحنين، لتتفقد ما تبقى من منازلها، لكن المشهد كان كفيلا بأن يسلب الكلمات من أفواههم.
بيوتهم لم تعد سوى هياكل منحنية، وأعمدة محطمة، وركام يغمر الطرقات كأن زلزالا عصف بالمكان، كانت الصدمة أكبر من أن تحتمل.
** شهادات ميدانية
بعض الأهالي الذين حاولوا الوصول إلى أطراف الحي اضطروا للفرار مجددا بعدما استهدفتهم طائرات إسرائيلية بالقذائف، وفق شهادات محلية.
الصحفي الفلسطيني فايز قريقع، الذي حاول العودة إلى منزله في حي الشجاعية، أصيب بالذهول من حجم الدمار الهائل الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على الحي.
ونشر مقطعا مصورا عبر فيسبوك، وكتب عليه: "حاولت الوصول إلى بيتي، لكن كانت الصدمة أن لا بيت هناك، كل البيوت دُمّرت، وعند وصولي، استهدفنا بطائرات مسيّرة، فاضطررنا للعودة أدراجنا".
فيما قال الصحفي محمد عبد، عبر فيسبوك مرفقا مقطعا مصورا للدمار: "الجيش تراجع وتموضع قليلًا عند الأطراف الشرقية لحي الشجاعية، لكن مشاهد الدمار والخراب صادمة جدا".
وأضاف: "الحي بأكمله بات كومة من الركام، الناس يحاولون جلب بعض متاعهم، لكن لا يجدون سوى الأخشاب المتناثرة من بقايا المنازل، دمار وخراب يمتدان على مد البصر".
** الحي الاستراتيجي في قلب العاصفة
ولم ينج شيء في الحي من نيران القصف والقنابل الإسرائيلية، مدارس ومراكز طبية ومساجد ودور عبادة وحتى محطات المياه دُمرت بالكامل، بالإضافة إلى المنطقة الصناعية التي كانت متنفسا اقتصاديا لغزة وسوق الشجاعية الحيوي الذي لم يبق منه سوى الذكرى.
حي الشجاعية، الذي يسكنه أكثر من 110 آلاف فلسطيني، يعد من أكثر أحياء غزة كثافة سكانية، ويمتد على مساحة تقدر بنحو 14 ألفا و305 دونمات، ويضم أربع مناطق رئيسية: التركمان، والتركمان الشرقية، والجديدة، والجديدة الشرقية.
ويقطع الحي عدد من الشوارع الحيوية، أبرزها شارعا المنصورة والبلتاجي، بالإضافة إلى شارع صلاح الدين الذي يمر بمحاذاة الحي من الجنوب، ويعد شرياناً رئيسياً يربط شمال القطاع بجنوبه.
وخلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على غزة، شكل حي الشجاعية ساحة مواجهة ضارية، إذ توغلت القوات الإسرائيلية مرارا في أحيائه، وسط دمار واسع.
لكن الفصائل الفلسطينية خاضت معارك عنيفة دفاعا عنه، كبدت خلالها الجيش الإسرائيلي خسائر في الأرواح والعتاد.
وفي آخر بيان لها بتاريخ 31 يوليو/ تموز 2025، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أنها "تمكنت من قنص جنديين إسرائيليين وإصابتهما إصابة مباشرة قرب مدرسة الناصرة في شارع بغداد بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، بتاريخ 10 يوليو".
كما أعلنت الفصائل الفلسطينية، في بيانات سابقة، استهداف آليات عسكرية إسرائيلية متوغلة في الحي، وقتل وإصابة عدد من الجنود خلال الاشتباكات المتكررة.
والخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي سحب الفرقة 98 من شمالي قطاع غزة تمهيدا لما سماه "مهام إضافية"، في خطوة اعتبرتها صحيفة عبرية مؤشرا على قرب نهاية عملية "عربات جدعون" العسكرية البرية.
وقال الجيش، عبر منصة إكس: "اليوم (الخميس)، وحسب الخطة العملياتية وجدول القتال، أنهت الفرقة 98 نشاطها في شمالي قطاع غزة".
وأضاف أن الفرقة خاضت "قتالا عنيفا، وهي الآن تستعد لمهام إضافية" لم يحددها.
وتابع أنها عملت خلال الشهر الماضي في الشجاعية والزيتون (شمال)، وخاضت قبل ذلك معارك في خان يونس (جنوب).
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حرب إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة الجماعية بغزة أكثر من 209 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.